إن موت العلماء العاملين ثُلمة في جدار الأمة الإسلامية، وأحسب أن الشيخ عبد الله بن جبرين من العاملين.
أحسبه كذلك والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً، والشيخ رحمه الله تعالى كان متميزاً بأمرين اثنين فارق بهما سائر أقرانه من بيئته:
الأول: المشاركات الخارجية:
للشيخ رحمه الله مشاركة في البيانات التي تصدر أوقات الأزمات، ويوقع عليها بجرأة وشجاعة لا نعرفها لغيره من أقرانه، وهذا أمر محمود؛ فقد أصابنا الخزي في مواقف كثيرة لا نسمع فيها لأكثر العلماء شيئاً.
وإن تكلم بعضهم فبصوت خافت ضعيف لا يكاد يغني شيئاً، وهذه هي مشكلة العالم الإسلامي الحقيقية اليوم، فأكثر العلماء قد تخلفوا عن الركب وساروا في اتجاه آخر لا يمثل الأمة وهمومها خوفاً أو حذراً أو غير ذلك.
وأيضاً كان للشيخ ابن جبرين أيام حرب الخليج وما بعدها مشاركات انفرد بها رحمه الله تعالى عن علماء بلده، وكان له فيها صوت مسموع وصدى كبير.
الثاني: قربه من العامة:
وقد كانت هذه ميزة ميزت الشيخ عبد العزيز بن باز في حياته، فلما مات تفرد الشيخ ابن جبرين - تقريباً- بهذه الميزة، وصار موضع ثقة العامة والشباب منهم على وجه الخصوص، وليس أدل على ذلك من جنازته التي اجتمع فيها مائة ألف بل يزيدون، عامتهم من الشباب.
وهذه ميزة جليلة امتاز بها الشيخ، وهي التي ليست موجودة عند أكثر العلماء اليوم، من الذين حبسوا أنفسهم عن الناس ومطالبهم وأحوالهم، ورضوا بالعزلة والابتعاد.
ولعمر الحق فإن الشيخ قد حاز على ثقة أكثر الناس بسبب هذا القرب منهم، وكان له قصب السبق في هذا الباب، ولهذا عظمت المصيبة في موته، وصار العزاء به عاماً، وصدق الإمام أحمد رحمه الله تعالى حين قال: بيننا وبينهم الجنائز.
وللشيخ - رحمه الله تعالى- صفات جليلة غير الذي ذكرت شارك فيها على وجه من المشاركة بعض علماء العصر.
وعلى رأسها حسن الخلق، ولين الكلام، والتصدي للتدريس الطويل، وإجابة دعوة من يعرف ومن لا يعرف، وكثرة تقريظ كتب الناشئة أو المشايخ وغير ذلك مما عُرف به واشتهر رحمه الله تعالى.
أسأل الله أن يرفع درجته في عليين، ويحشره مع الصالحين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
الكاتب: الدكتور محمد موسى الشريف
المصدر: موقع التاريخ